بعض ما فعل الكاثوليك بالبروتستانت
قال: وإذا عرفت حال ظلمهم في حق اليهود خصوصا، وفي حق رعية السلطنة عموما، وما فعلوا عند تسلطهم على أورشليم، فالآن أذكر نبذا مما فعل الكاثوليك بالنسبة إلى غيرهم من المسيحيين، وأنقل هذه الحالات عن كتاب (الثلاث عشرة رسالة) الذي طبع في بيروت سنة 1849م من الميلاد باللسان العربي، فأقول:
(قال في الصفحة (15، 16): (أما الكنيسة الرومانية، فقد استعملت مرات كثيرة الاضطهادات والطرد المزعج ضد البروتستانت، أي الشهود أو بالحري الشهداء، وذلك في ممالك أوربا. ويظن أنها أحرقت في النار أقل ما يكون: مائتين وثلاثين ألفا من الذين آمنوا بيسوع دون البابا، واتخذوا الكتب المقدسة وحدها هدى وإرشادا لإيمانهم وأعمالهم، وقد قتلت أيضًا منهم ألوفا بحد السيف والحبوس والكلبتين، وهي آلة لتخليع المفاصل بالجذب، وأفظع العذابات المتنوعة. ففي فرنسا قتل في يوم واحد ثلاثون ألف رجل، وذلك في اليوم الملقب بيوم ماريرثو لماوس، وعلى هذا الأسلوب أذيالها مختضبة بدماء القديسين) انتهى كلامه بلفظه.
وفي الصفحة (338) في الرسالة الثانية عشرة من الكتاب المذكور: (يوجد قانون وضع في المجمع الملتئم في توليدو في أسبانيا، يقول: إننا نضع قانونا: أن كل مَن يأتي إلى هذه المملكة فيما بعد، لا نأذن له أن يصعد إلى الكرسي إن لم يحلف أولا: أنه لا يترك أحدا غير كاثوليكي يعيش في مملكته، وإن كان بعد ما أخذ الحكم يخالف هذا العهد فليكن محروما، قدام الإله السرمدي، وليصر كالحطب للنار الأبدية). مجموع المجامع من كارتر أوجه 404.
(والمجمع اللاتراني يقول: إن جميع الملوك والولاة وأرباب السلطنة فليحلفوا: أنهم بكل جهدهم وقلوبهم يستأصلون جميع رعاياهم المحكوم عليهم من رؤساء الكنيسة بأنهم هراطقة، ولا يتركون أحدا منهم في نواحيهم، ومن كانوا لا يحفظون هذه اليمين، فشعبهم في حِلٍّ من الطاعة لهم) رأس 3 (وهذا القانون قد ثبت أيضًا في مجمع قسطنطينية) جلسة 45.
(ومن رسم البابا مرتينوس الخامس) (وفي اليمين التي حلفت بها الأساقفة تحت رياسة البابا بولينوس الثالث سنة 1551م يوجد هذا الكلام: أن الهراطقة وأهل الانشقاق والعصاة على سيدنا البابا وخلفائه، هؤلاء بكل قوتي أطردهم، أبيدهم).
والمجمع اللاتراني ومجمع قسطنطينية يقولون: (إن الذي يمسك الهراطقة له إذن وسلطة أن يأخذ منهم كل مالهم ويستعمله لنفسه من غير مانع) مجمع لاتراني 4 مجلد 2 فصل 1 وجه 152 ومجمع قسطنطينية جلسة 45 مجلد 7 (والبابا اينوشنيسوس الثالث يقول: إن هذا القصاص على الهرطقة نحن نأمر به كل الملوك والحكام، ونلزمهم إياه تحت القصاصات الكنائسية) رسم 7 كتاب 5.
وفي سنة 1724م وضع الملك لويس الحادي عشر ثمانية عشر قانونًا.
أولها: أننا نأمر أن الديانة الكاثوليكية وحدها، تكون مأذونة في مملكتنا، وأما الذين يتمسكون بديانة أخرى فليذهبوا إلى الاعتقال طول حياتهم، والنساء فلتقطع شعورهن ويحبسن إلى الموت!
وثانيها: أننا نأمر أن جميع الواعظين الذين جمعوا جماعات على غير العقائد الكاثوليكية، والذين علموا أو مارسوا عبادة مخالفة لها يعاقبون بالموت. وفي مخاطبة الأساقفة في أسبانيا للملك سنة 1765م يقولون له: أعط الرسوم كل قوتها، والديانة كل مجدها، لكن تسبب هذه المقالة منا تجديد قوانين سنة 1724م المذكورة (وكان من جملة رسوم إنكلترا تحت رياسة البابا: أن كل مَن يقول إنه لا يجوز أن يسجد للأيقونات: يحبس في السجن الشديد، حتى يحلف أنه يسجد لها، والأسقف أو القاضي الكنائسي له سلطان أن يحضر إليه، أو يحبس كل من يقع عليه الشبهة: أنه هرطيقي، والهرطيقي العنيد فليحرق بالنار قدام الشعب، وجميع الحكام فليحلفوا أنهم يعينون هذا القاضي على استئصال الهراطقة الذين عندما تظهر هرطقتهم تسلب أموالهم ويسلمون إليه، وتمحى خطاياهم بلهيب النار). كوك فرائض عدد 3 وجه 40، 41 وأيضًا عدد 4 وجه 15 (وبارونيوس يقول: عن الملك كارلوس الخامس، كان يظن برأيه الباطل: أنه يستأصل الهراتقة ليس بالسيف، بل بالكلام، وفي فهرس الكتاب المقدس المطبوع في رومية باللاتيني والعربي تحت حرف الهاء يوجد هذا التعليم: أن الهراطقة ينبغي لنا أن نهلكهم، ويورد الإثبات على ذلك: أن الملك ياهو قتل الكهنة الكذبة، وإيليا ذبح كهنة باعل، وغير ذلك. فإذن هكذا ينبغي لأولاد الكنيسة أن يهلكوا الهراتقة).
ثم في الصفحة (347، 348): (والمؤرخ منتوان المتقدم في رياسة الكرمليين مع غيره من المؤرخين، يخبرنا عن كاروز بالإنجيل معتبر، يقال له (ثوما) من رودن، أحرقه البابا بالنار، لأنه كرَّز ضد فسادات الكنسية الرومانية، والمؤرخون يدعونه قديسًا وشهيدًا حقيقيًا للمسيح).
وفي الصفحة (350 إلى 355): (في سنة 1194م أمر الديفونسو ملك اراغون في أسبانيا بنفي الواضيين من بلاده، لأنهم هراطقة ... وفي سنة 1206م رغما عن الأمير رايمون والي مدينة ثولوس، أرسل البابا قضاة بيت التفتيش إلى تلك المدينة، لأن الأمير المذكور كان قد أبى أن ينفي هؤلاء الواضيين، ثم بعد قليل أرسل ملك فرنسا بطلب البابا إلى تلك المدينة ونواحيها عسكرًا، عدده ثلثمائة ألف، فحاصر الأمير رايمون في مدينته لأجل المحاماة عن نفسه، ولكي يدفع القوة بالقوة، فذُبح في ذلك القتال ألف ألف (مليون)، وانكسر أهل رايمون، وأحاط بهم كل صنف من الإهانات والعذابات، وكان البابا في حركة هذه الحروب يقول لقومه: إننا نعظكم ونحتم عليكم أن تجتهدوا في ملاشاة هذه الهرطقة الخبيثة: هرطقة الألبجيين أي الواضيين، وتطردوهم بيد قوية أشد مما يكون ضد الساراجين أي المسلمين ...
وفي سنة 1400م في آخر شهر كانون الأول، قام أهل البابا بغتة على الواضيين في اوديابيت مونت بلاد ملك سردينيا، فهربوا من وجوههم بلا قتال، ولكن قتل كثيرون بالسيف، وكثيرون ماتوا بالثلج.
ثم إن البابا بعد ذلك بسبع وثمانين سنة، كلف البرتوس ارشيديا كونوس في مدينة كريمونا: أن يحارب الواضيين في النواحي القبلية من فرنسا، وفي أوديابيت مونتن حيث بقي البعض منهم من الذين رجعوا بعد الحرب في سنة1400م، وهذا الرجل المذكور تقدم حالاً ومعه ثمانية عشر ألف محارب، وأقام تلك الحرب التي استمرت نحو ثلاثين سنة على المسيحيين الذين قالوا: نحن في كل وقت نكرم الملك ونؤدي الجزية، ولكن أرضنا وديانتنا التي ورثناها من الله ومن آبائنا لا نريد أن نتركها، وفي كالابريا من بلاد إيطاليا سنة 1560م قتل ألوف ألوف، من البروتستنتيين، بعضهم قتلهم العسكر، وبعضهم محكمة التفتيش.
قال أحد المعلمين الرومانيين: إنني أرتعد كلما أفتكر بذلك الجلاد، والخنجر الدموي بين أسنانه، والمنديل يقطر دمًا بيده، وهو متلطخ بيديه إلى الأكارع، يسحب واحدًا بعد واحد من السجن، كما يفتك الجزار بالغنم!!
وفي سنة 1601م نفى دوك السافوي خمسمائة عائلة من الواضيين ...
وأيضًا سنة 1655م وسنة 1676م تجددت الاضطهادات عليهم في أوديابيد مونت، لأن الملك لويس الرابع عشر بإشارة من البابا تقدم إليهم بجيشه، وهم في بيوتهم بغاية الطمأنينة، فذبح العسكر خلقًا كثيرًا منهم، ووضعوا في الحبس أكثر من عشرة الآف، فمات كثير منهم من الزحام والجوع، والذين سلموا أخرجوهم لكي ينـزحوا من تلك البلاد، وكان ذلك اليوم شديد البرد والأرض مغطاة بالثلج. والجليد، فكان كثير من الأمهات وأولادهن في أحضانهن موتى على جانب الطريق من البرد.
وكارلوس الخامس سنة 1521م، أخرج أمرًا في طرد البروتستنتيين في بلاد فلامنك عن رأي البابا، وبسبب ذلك قتل خمسمائة ألف نفر!!
وبعد كارلوس تولى ابنه فيلبس، ولما ذهب إلى أسبانيا سنة 1559م، استخلف الأمير ألفا على طرد البروتستنتيين، والمذكور في أشهر قليلة قتل على يد الجلاد الملوكي الشرعي ثمانية عشر ألفًا، وبعد ذلك كان يفتخر بأنه قتل في كل المملكة ستة وثلاثين ألفا! والقتيل الذي يذكره المعلم كين في عيد مار برثولماوس، كان في آب سنة 1572م في وقت السلامة الكاملة، وكان الملك ملك فرنسا قد وعد بأخته لأمير نافار، وهو من علماء البروتستنتيين وأشرافهم، ثم اجتمع هو وأصدقاء أعيان كنيستهم في باريس لأجل إستتمام الوعد بالزواج، ولما ضربت النواقيس لأجل الصلاة الصباحية، قاموا بغتة حسب اتفاقهم السابق على الأمير وأصحابه، وعلى جميع البروتستنتيين في باريس، فذبحوا منهم عشرة آلاف شخص!
وهكذا جرى أيضاً في روين وليون وأكثر المدن في تلك البلاد، حتى قال البعض من المؤرخين: إنه قتل نحو ستين ألفا.
واستمر هذا الاضطهاد مدة ثلاثين سنة، لأن البروتستنتيين أمسكوا سلاحهم لكي يدفعوا القوة بالقوة، ومات في هذا الحرب منهم تسعمائة ألف.
ولما سمع في رومية فعل ملك فرنسا في عيد مار برثولماوس، أطلقوا المدافع من الأبراج، وذهب البابا مع الكرديناليين ليرتل مزمور الشكر في كنيسة الرومانية بهذا العمل، فلما جلس الملك هنري الرابع على كرسي فرنسا قطع هذا الاضطهاد سنة 1593م. لكن يظن أنه قتل لأجل عدم تسليمه بالاغتصاب في أمر الدين.
(ثم أنه في سنة 1675م تجدد الاضطهاد وبعدما قتل خلق كثير يقول المؤرخون: إن خمسين ألفا اضطروا أن يتركوا بلادهم لكي ينجوا من الموت) انتهى كلامه، ونقلت عبارة هذا الكتاب بألفاظها من الرسالة الثانية عشرة.