من مذابح النصارى لليهود
إن الذين يتهمون الإسلام بأنه (دين السيف) وأنه قهر الناس بالسيف، هم أول الناس وأكثر الناس استعمالا للسيف، بموجب وبغير موجب، ولا سيما فيما بين بعضهم وبعض.
وأكتفي بأن أذكر هنا ما سجله العلامة الشيخ رحمه الله الهندي في كتابه القيم (إظهار الحق) الذي ردَّ فيه على المبشرين البروتستانت دعاواهم الكاذبة على الإسلام، ومن هذه الدعاوى: أن الإسلام انتشر بالسيف. وقد بيَّن الشيخ بالبراهين: أن هذا الادعاء غير صحيح كما أشار إليه في الأمر السابع من مقدمة الكتاب، كما بين أن أفعالهم تُكذِّب أقوالهم، وأنهم أكثر الناس استعمالا للسيف كما أن أسلافهم من أهل مِلتهم إذا تسلطوا تسلطا تاما، اجتهدوا في إبادة المخالفين. قال: وأنا أنقل بعض الحالات من كتبهم ورسائلهم، فأنقل حالهم بالنسبة إلى (اليهود) من كتاب (كشف الآثار في قصص أنبياء بني إسرائيل) الذي عرفته في بيان الأمر الثاني، فأقول:
قال صاحبه في الصفحة (27): (القسطنطين الأعظم - الذي كان قبل الهجرة بثلثمائة سنة تقريبا - أمر بقطع آذان اليهود، وإجلائهم إلى أقاليم مختلفة، ثم أمر ملك الملوك الرومي في القرن الخامس من القرون المسيحية، بإخراجهم من البلدة السكندرية التي كانت مأمنهم من مدة، وكانوا يجيئون إليها من كل جانب، فيستريحون فيها. وأمر بهدم كنائسهم، ومنع عبادتهم، وعدم قبول شهادتهم، وعدم نفاذ الوصية إن أوصى أحد منهم لأحد في ماله، ولما ظهرت منهم مقاومة، بسبب هذه الأحكام: نهب جميع أموالهم، وقتل كثيرا منهم، وسفك الدماء بظلم ارتعد له جميع يهود هذا الإقليم).
ثم قال في الصفحة (28): (إن يهود البلد (انطيوح) لما أُسِروا بعد ما صاروا مغلوبين، قطَّع أعضاء البعض، وقتَّل البعض، وأجلى الباقين منهم كلهم، وظَلَم، ملكُ الملوك في جميع مملكته هؤلاء المشاركين بأنواع الظلم، ثم أجلاهم من مملكته آخرا.
وهيج ولاة الممالك الأخرى على أن يعاملوا اليهود هذه المعاملة، فكان حالهم أنهم تحملوا الظلم من آسيا إلى أقصى حد أوربا، ثم بعد مدة قليلة كلفوا في مملكة إسبانيا لقبول شرط من الشروط الثلاثة: أن يقبلوا الملة المسيحية، فإن أبوا عن قبولها يكونوا محبوسين، وإن أبوا عن كليهما يُجْلَوا من أوطانهم.
وصار مثل هذه المعاملة معهم في ديار فرنسا. فهؤلاء المساكين كانوا ينتقلون من إقليم إلى إقليم، ولا يحصل لهم موضع القرار، ولم يحصل لهم الأمن في آسيا أيضًا، بل قتلوا في كثير من الأوقات، كما قتلوا في ممالك الفرنج).
ثم قال في الصفحة (29): (إن أهل مِلة الكاثوليك كانوا يظلمونهم باعتقاد أنهم كفار، وعظماء هذه الملة عقدوا مجلسا للمشورة، وأجروا عليهم عدة أحكام:
(الأول): من حمى يهوديا ضد مسيحي يكون ذا خطأ، ويخرج عن الملة.
(والثاني): أنه لا يُعطَى يهودي منصبا في دولة من الدول.
(والثالث): لو كان مسيحي عبده فهو حر.
(والرابع): لا يأكل أحد مع اليهودي، ولا يعامله.
(والخامس): أن يُنـزع الأولاد منهم ويُربَّوْن في الملة المسيحية... وهكذا كان أحكام أخر).
أقول: لا شك أن الحكم الخامس أشد أنواع الإكراه.
ثم قال: (كانت عادة أهل البلدة ثولوس من إقليم فرنسا: أنهم كانوا يلطمون وجوه اليهود في عيد الفصح! وكان رسم البلدة بزيرس: أن أهلها من أول يوم الأحد من أيام العيد إلى يوم العيد، كانوا يرمون اليهود بالحجارة، وكان يكثر القتل أيضا في هذا الرمي، وكان حاكم البلدة المسيحي المذهب يحرض أهلها على هذا الفعل).
ثم قال في الصفحة (30، 31): (دبر سلاطين فرنسا في حق اليهود أمرا، وهو أنهم كانوا يتركون اليهود إلى أن يصيروا متمولين بالكسب والتجارة، ثم يسلبون أموالهم، وبلغ هذا الظلم لأجل الطمع غايته.
ثم لما صار (فيليب أوغسطس) سلطانا في فرنسا، أخذ أولاً الخمس من ديون اليهود التي كانت على المسيحيين، وأبرأ من الباقي ذمة المسيحيين، وما أعطى اليهود حبة، ثم أجلى اليهود كلهم من مملكته، ثم جلس على سرير السلطنة (سانت لويس) وهو يطلب اليهود مرتين في مملكته. وأجلاهم مرتين، ثم أجلى (جرلس السادس) اليهود من مملكة فرنسا.
وقد ثبت من التواريخ: أن اليهود أجلوا من مملكة فرنسا سبع مرات، وعدد اليهود الذين أخرجوا من مملكة أسبانيا - لو فرض في جانب القلة - لا يكون أقل من ألف وسبعين ألف بيت!
وفي مملكة (النمسا) قتل كثير منهم، ونهب كثير منهم، ونجا منهم قليل، وهم الذين تنصروا، ومات كثير منهم بأن سَدُّوا أولا أبوابهم، ثم أهلكوا أنفسهم وأولادهم وأزواجهم وأموالهم، إما بالإغراق في البحر، أو بالإحراق بالنار، وقتل غير المحصورين منهم في الجهاد المقدس.
وكان الإنكليز اتفقوا على أن يظلموا اليهود، فلما حصل اليأس العظيم ليهود البلدة (يرك) بسبب الظلم، قتل بعضهم بعضا، فقتل ألف وخمسمائة من الرجال والنساء والأطفال، وصاروا أذلاء في هذه المملكة بحيث إذا بغى الأمراء على السلطان، قتلوا سبعمائة يهودي، ونهبوا أموالهم، لأجل أن يظهروا شوكتهم على الناس، وسلب (رجاردوجان) و(هنري الثالث) من سلاطين انكلتره مرارا: أموال اليهود ظلما سيما (هنري الثالث)، فإنه كانت عادته أنه كان ينهب اليهود بكل طريق على وجه الظلم، وعدم الرحمة. وقد جعل أغنياءهم الكبار فقراء وظلمهم، بحيث رضوا بالجلاء، واستجازوا أن يخرجوا من مملكته، لكنه ما قبل هذا الأمر منهم أيضًا. ولما جلس (ادورد الأول) على سرير السلطنة، ختم الأمر بأن نهب أموالهم كلها، ثم أجلاهم من مملكته، فأجلى أكثر من خمسة عشر ألف يهودي في غاية العسر).
ثم قال في الصفحة (32): (نقل مسافر اسمه (سوتي): أنه كان حال قوم برتكال (البرتغال) قبل خمسين عاما: أنهم كانوا يأخذون اليهودي ويحرقونه بالنار، ويجتمع رجالهم ونساؤهم يوم إحراقه، كاجتماع يوم العيد، وكانوا يفرحون بذلك. وكانت النساء يصحن (أي يزغردن) وقت إحراقه فرحا)!
ثم قال في الصفحة (33): (إن البابا الذي هو عظيم فرقة الكاثوليك قرر عدة قوانين شديدة في حق اليهود). انتهى كلام كشف الآثار في قصص أنبياء بني إسرائيل.
وقال صاحب سير المتقدمين: (إن السلطان السادس (قسطنطين الأول)، أمر بمشورة أمرائه في سنة (379م) أن يتنصر كل من هو في السلطنة الرومية ويقتل مَن لم يتنصر) انتهى. قال: وأي إكراه أكثر من هذا؟!
مذبحة الصليبيين في القدس:
(ولطامس نيوتن) (تفسير) للأخبار عن الحوادث المستقلة المندرجة في الكتب المقدسة. وطبع هذا التفسير سنة 1803م في لندن. ففي الصفحة (65) من المجلد الثاني في بيان تسلط أهل التثليث على أورشليم: (هكذا فتحوا أورشليم (القدس) في الخامس عشر من شهر تموز الرومي سنة 1099م بعدما حاصروا خمسة أسابيع، وقتلوا غير المسيحيين، فقتلوا أكثر من سبعين ألفا من المسلمين، وجمعوا اليهود وأحرقوهم، ووجدوا في المساجد غنائم عظيمة) انتهى.